إن الأنبا ببنودة بعد أن تقابل مع الأنبا نفر السائح، وكفن جسده، التقى بآباء سواح آخرين فقال
بعد أن كفنت جسد القديس أبا نفر السائح مشيت أيضاً أربعة أيام بلياليها بعد ذلك رأيت مغارة أخرى على الجبل، قرعت الباب فلم يرد أحد، فلما جلست عندها حوالي ساعة فكرت في قلبي وقلت لعل الذي كان في هذه المغارة قد تنيح..فلما فكرت في هذا إذ بالقديس صاحب المغارة قد أقبل، وهو حسن المنظر ذو لحية طويلة ويلبس ثوباً من ليف النخل، فلما أبصرني قال لي أنت الأخ ببنودة الذي وارى جسد القديس أبا نفر السائح.. أما أنا فخررت للأرض أمامه.. قأقامني وقال لي قم يا أخي الحبيب لأن الرب أعلمني انك ستأتي إلي في هذا اليوم وكنت منتظراً رؤياك ولي اليوم ستون سنة لم أرى فيها وجه انسان ههنا، إلا الآباء السكان معي في هذا الجبل وبينما أتكلم معه إذ بثلاثة أباء قد أتوا إلي وقالوا لي أيضاً أنت الأخ ببنودة صاحبنا في العمل، لأن الرب أعلمنا انك ستأتي إلينا في هذا اليوم، ولنا ستون عاماً لم ننظر فيها إنساناً ههنا سواك أنت.. وبعد تمام كلامهم رأيت خمسة خبزات ناضجة، وكأنها خرجت للوقت من التنور فصلينا، ثم جلسنا نأكل معاً.. وقالوا لي أننا طيلة هذه السنوات تأتي إلينا أربع خبزات فقط من عند الرب كل يوم ، والآن لما جئت إلينا أحضر الرب نصيبك أيضاً.. ولما فرغنا من الطعام أقمنا الليلة كلها في الصلاة إلى باكر وكانت ليلة يوم الأحد.. ثم سألتهم لكي أمكث معهم حتى نهاية عمري فأجابوا أن هذا الأمر ليس معداً لك من قبل الرب، ولتمض إلى أرض مصر وتتكلم بما نظرته عيناك فيكون ربحاً للسامعين.. وسألتهم أن يعرفوني أسمائهم فلم يريدوا ذلك ، بل قالوا لي أن الذي يسمى كل واحد بأسمه هو الذي يعرف اسماءنا فاذكرنا يا أخانا إلى أن ننظرك في ملكوت السموات، ولا تدع العالم يغلبك لانه قد أضل كثيرين ، ولما فرغوا من كلامهم هذا باركوا علي، وأعلموني عما حدث معي في الطريق وما سيحدث لي، وفارقتهم بسلام
ثم أقمت ماشياً عدة أيام فرأيت ينبوع ماء وشجراً ونخلاً كثيراً جلست عنده لأستريح، وكنت أتأمل تلك الأشجار وأتعجب من ثمارها متفكراً ترى من زرع هذه الأشجار ههنا؟ وكانت ذو أنواع كثيرة، وثمارها حلوة كالشهد.. وفي وسطها شجرة تفوح طيباً كالمسك ، وينبوع الماء يفيض فيروي الجميع.. فقلت بالحقيقة أنه فردوس الله.. وبينما أنا جالس إذ بأربعة رجال صغار أقبلوا من بعيد بمنظر حسن ويلبسون جلوداً.. فاقتربوا مني وقالوا أنت الأخ ببنوده، وللوقت خررت ساجداً فأقاموني وسلموا علي وصلينا جميعاً ثم جلسنا نتحدث معاً بعظائم الله... لقد فرح قلبي بهم ، وقبلوني بفرح عظيم ثم سألتهم متى أتيتم إلى ههنا، وكيف، ومن أرشدكم إلى هذا المكان؟...
فقالوا نحن من مدينة البهنسا وكنا عند معلم واحد، فلما أكملنا تعليمنا قلنا نحن الأربعة معاً لأنه كما تعلمنا حكمة هذا العالم الفاني يجب علينا أن نتعلم حكمة العالم الباق، وكنا كل يوم نفكر في هذا الفكر الصالح الذي يعمل في الإنسان الجواني.. فقمنا جميعاً ولأتينا إلى البرية، وكان معنا قليلاً من الخبز والماء، .. وبعد أيام أبصرنا إنساناً منيراً جداً قائماً أمامنا فأخذ بأيدينا، وأتى بنا إلى هذا المكان الذي نحن به منذ سنين كثيرة... ولما جئنا إلى هنا وجدنا رجلاً قديساً عظيماً قد سلمنا الملاك إليه فأقمنا لديه سنة كاملة علمنا خلالها عبادة الله واتمام وصاياه.. وعند كمال السنة تنيح ذلك الشيخ الطوباوي فحضرنا بمفردنا في هذا المكان ولا نأكل سوى ثمار هذه الأشجار، وفي نهاية كل أسبوع نجتمع معاً ونصل معاً.. ثم قال الأنبا ببنودة لقد أقمت عندهم إلى اليوم السابع، وعندما سألتهم عن أسمائهم قال الأول اسمي يوحنا والثاني اندراوس أم الاثينين الآخرين فلم يخبراني عن اسمهما، ثم ودعوني وساروا معي نحو ستة أميال، وفارقوني بعد أن أخذت بركتهم ، ومضيت متوجع القلب لأجل فراقهم... وأقمت سائراً عدة أيام إلى أن وصلت إلى الدير فأخبرت الأخوة محبي الإله بسيرة أبا نفر السائح والآباء السواح الذين تقابلت معهم
بركة صلواتهم تكون معنا جميعاً
ولإلهنا ينبغي المجد والاكرام والسجود إلى دهر الداهرين آمين
الأنبا إيليا السائح
أنه من أباء طور سينا، ومن أبناء القديس سلوانس بجبل سيناء، قد تدبر بالتدبير النسكي الذي لإيليا النبي
كان في مغارته التي تبعد عن الدير بضعة كيلومترات.. كان يسلك بنسك شديد، ومشهوداً له بالقداسة والفضيلة.. قضى في تلك المغارة أربع وخمسون عاماً حتى أنه ارتفع في السيرة الروحانية.. كان يحضر قداسات الدير دون أن يراه أحد ما مثلما يسلك الآباء السواح
وفي أحد الليالي جاء إليه أخ ليسأله أسئلة تخص حياته الروحية ويتبارك منه، فوجد مغارته مغلقة وطاقتها التي لا يزيد ارتفاعها عن متر واحد يخرج منها شعاعاً من النور الذي يملأ المغارة، فاندهش لذلك، وظل واقفاً عند الباب ثلاث ساعات، ولما أنهى القديس صلواته التي كانت مثل عمود نور يتصل بالسماء، قرع الباب فلما فتح القديس لم يستطع أن يحدق في وجهه من شدة النور الخارج من وجهه مثل شعاع الشمس
كان القديس قد علم بقوة الروح الساكن فيه، إن ذلك الأخ شاهد النور أضاء أثناء صلواته. وعندما سأله هل رأيت شيئاً غريباً يا ابني إنك بالحقيقة قد رأيت شيئاً ولم تخبرني.. فلما ألح عليه أجاب الأخ قائلاًً : ان الرب يسوع المسيح هو الذي يمجد قديسيه.. فعلم أن الرب قد كشف للأخ ذلك.. ثم جلس معه وكلمه كلاماً روحياً، وبعد أن انصرف استدعى تلميذه قائلاً له
يا ابني أني سوف أعتزل عن البشر لأجل تمجيد الناس واكرامهم لي إذ ينبغي أن مجد الرب هو الذي يضئ فهو وحده الممجد وليس غيره، أما نحن البشر فأننا خطاة وضعفاء..
لكن اطمئن فسوف أحضر معكم الصلوات والبعض سيراني ولن آتي إلى هذا المكان ثانية إلا وقت نياحتي
ولما سأله أين أنت ماض يا أبي أجابه: الرب يعلم يا ابني ثم قبله وودعه وسار في البرية إلى أن جاء إلى مغارة بعيدة لا يعرفها أحد ما.. وعاش فيها بصلوات لا تنقطع ليلاً ونهاراً مسبحاً الرب يسوع المسيح كل حين وكان يقتات ببعض حشائش البرية وماؤها
وبعد سبع سنوات أتى القديس إلى قلاية تلميذه وقرع بابها، فلما رآه اندهش ورشم علامة الصليب المقدس. فقال القديس حسناً فعلت يا ابني لأن الشياطين تظهر بأشكال متنوعة كثيرة وقد
يظهرون بشكل قديسين
بعد ذلك قال له أنا هو أبوك إيليا، وعندما سأله عن سبب اختفائه تلك الفترة أجابه : قلت لك يا ابني أني لا أقبل مديح الناس
وعندما سأله أيضاً أين كنت مقيماً أجابه كنت في مغارة بعيدة لا يعرفها أحد ما في داخل البرية، وكنت أحضر قداسات الدير ولكن ليس الكل كان يراني.. وكنت أتناول من الأسرار المقدسة فقال تلميذه : أني لم أراك يا أبي ، أجابه هذه مشيئة الله.. وقد حضرت الآن إليك لأني سأنطلق إلى الحياة الدائمة وأترك هذا الجسد فصلى علي قليلاً ، وادفن جسدي في هذه المغارة التي مارست فيها نسكياتي الكثيرة
ثم قبل تلميذه، وصلى وأفرد جسمه وأسلم الروح ، فبكى تلميذه كثيراً ومضى, أخبر رئيس الدير بنياحته فحضر ومعه أباء الدير وصلوا عليه ثم حفروا قبراً في مغارته، ودفنوه باكرام جزيل.
وسبحوا الله الممجد في قديسيه
الذي له المجد والاكرام والسجود كل حين الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين أمين
أنبا غاليون السائح
قال الأنبا اسحق رئيس دير القلمون
كان من بين سكان هذا الدير قديس اسمه "غاليون" قد نشأ في احدى قرى الصعيد، وظهرت على يديه عجائب كثيرة حتى أنه كان يشفى المرضى
كان لا يفتر عن الصلاة ليلاً ونهاراً، وكان يأكل مرة كل اسبوع كما أنه كان قارئاً للدير ذا صوت عظيم خبيراً بقراءة الكتب سالكاً في جميع الفضائل
دخل الدير شاباً وإلى أن صار شيخاً لم يخرج منه ، ولم يكن يلتقي بأحد من الآباء وقت الصلوات
نصب له الشيطان فخاً إذ أتى إليه ليلاً عندما خرج إلى البيعة في منتصف الليل وقال له: يا أخي غاليون لقد كنا اثنى عشر نسبح في هذه البرية، واليوم مات واحد منا ولا نقدر أن ننقص عددنا عن هذا فأنت تكون كمال العدد لأنك ناسك عابد، محب للأخوة زاهد في هذا العالم، غير راغب في شيْ منه البتة. وأنت مستحق أن تكون معنا ثم توارى عنه
فداخله الفكر وظن أن الله أرسل له هذا الملاك، وكان في تلك الليلة مبتهلاً.. وبعد انتهاء صلاة نصف الليل أخذ عصاه، وخرج من باب الدير دون أن يشعر به أحد، فوجد احدى عشر رجلاً في زي رهبان، مضوا أمامه بعد السلام عليه وكان يتبعهم إلى منتصف النهار فإذا هم على جبل عال مشرف على أرض الواحات قفر ليس به طعام ولا ماء ولا أحد البتة، فجلسوا وكانوا يضحكون ويهزئون بعضهم مع بعض فرحين قائلين: لقد صدنا في هذه الليلة صيداً حسناً
ثم قال القديس غاليون: تفكرت في أمري وقلت أنهم شياطين وليسوا قديسين، ثم رشمت علامة الصليب المقدس على وجهي، بعدها لم أجد أحداً منهم، بقيت بعد ذلك على الجبل لا أعرف إلى أين أذهب وكيف أنجو من تلك التجربة ففتحت فمي وسبحت المزمور السابع عشر "أحبك يا رب قوتي الرب ثباتي وملجأي" ثم كررت هذا المزمور ثلاثة مرات ، فسكن روعي وثبت قلبي، والتفت فلم أجد أحداً فسبحت أيضاً المزمور السادس "يا رب لا بغضبك تبكتني ولا برجزك تؤدبني ارحمني يا رب فأني ضعيف أشفني يا رب فأن عظامي وهنت ونفسي
" جزعت جداً
"ثم رفعت يدي نحو السماء مصلياً "اللهم التفت إلى معونتي يا رب أسرع وأعني
ثم المزمور "يستجيب لك في يوم شدتك ينصرك اسم إله يعقوب يرسل لك عوناً من قدسه" ، "رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرب الذي صنع السماء والأرض لا يسلم رجلك للذلل فيما
" ينعس حافظك
ثم التفت خلفي فسمعت صوتاً ورأيت ثلاثة رهبان يلبسون ملابس بيضاء ويقرءون من المزمور السابع والتسعين"سبحوا الرب تسبيحاً جديداً لأن الرب صنع عجائب" وكانت أصواتهم مثل أصوات الملائكة، وكنت أعرف اللحن الذي يرتلون به فرتلت معهم وكنت حذراً من الشيطان لئلا يكون قد أرسل جنده ليهلكوني فتفكرت وقلت أنه لا يمكن للشيطان أن يسبح بمزامير داود النبي
وبينما أنا متفكر بهذا إذ هؤلاء القوم قد اقتربوا مني وهم يرتلون بألحان حسنة فجاوبتهم بمثل تلك الألحان، ومكثنا تلك الليلة نرتل من مزامير داود النبي إذ كانوا كلما رتلوا مزموراً رتلت أنا أيضاً معهم، وحتى الصباح لم يسألوني عن أمري شيئاً، وأنا أيضاً لم أسألهم عن شيء
ثم جلسنا جميعاً فسألتهم وإذ هم رهبان من دير القديس أنبا شنوده وهو يسبحون في الجبل، وقالوا لي لسنا نريد أن تعرفنا أحوالك، فلقد عرفنا بالروح فخاخ العدو، وحيله التي أراد أن يطرحك فيها ، فاشكر الله ولنشكره جميعاً لأنه لم يطرح تواضع المتواضعين، ولم يغفل عنهم، وقد وجدنا عند سفح ذلك الجبل عين ماء عذب فيه سمك يشبه الطير فكنا نصيد منه، ونجعله أياماً في الشمس ثم نأكل منه
ثم أقام القديس غاليون معهم سنة عند سفح ذلك الجبل وفي احدى الليالي قال أحد هؤلاء الثلاثة "يا غاليون أن "أباك اسحق سأل الله أن يراك قبل نياحتك، فقم أسرع وأمض إليه
فأجبت أني لا أعرف الطريق فأخذوا بيدي وقالوا اتبعنا فتبعتهم وقبل الصباح أبصرت نفسي واقفاً على باب ديري الذي كنت فيه، ثم ودعوني وساروا إلى دير القديس الأنبا شنوده
أما أنا فدخلت الدير ووجدت أبي القديس اسحق واقفاً ينتظرني فلما رآني فرح وقال يا غاليون أين كنت يا ابني؟
فسردت له خبري جميعه وقال الأنبا اسحق: أني أخبركم بما رأيته من جهة هذا الأبن غاليون
أنه لما كان في غيبته في البرية دعوت الله أن يطلعنا على أمره لأنني لم أكن قد عرفت ما حدث له فرأيت في منامي من يقول لي: اليوم تنظره في الجسد وفي اليوم السابع ينتقل من هذا العالم الباطل إلى عالم البقاء فتيقظ وأحرص على حفظ ذلك الموعد الذي سمعته؟
ولم يكن في الدير قارئ مثله ولا من يحفظ الألحان والمزامير مثله فبكيت عليه، وكان هو كذلك يعرف اليوم الذي سينتقل فيه
فتقدمت إليه وقلت له: "خذ إليك موسى الصبي القارئ وعلمه ترتيب البيعة وألحانها" فأخذ إليه موسى وضمه إلى صدره وقال له "يا ابني أقبل مني الروح الذي في فأني في اليوم السابع أتنيح" وأن موسى قبل منه الروح وكان يزيد في القراءة والألحان
ولما كان يوم نياحة القديس غاليون حضر الآباء والأخوة، وصلوا عليه، وكفنوه ودفنوه باحترام لائق
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين
الأنبا ستراتيوس السائح
في عصر أحد الملوك الأرثوذكسيين الذين حكموا روما.. كان هناك أميراً تحت سلطانه مائة جندي أدركته النعمة الإلهية فقال للملك ، أريد الآن أن أترك هذا العالم الفاني لأني أريد الذهاب إلى البرية فاصير هناك راهباً وأنه ركب سفينة إلى الاسكندرية، وبعدها سافر براً إلى طور سينا وكان ذلك بعد مائتي عام من نياحة القديس يوحنا الدرجي للفضائل وأب رهبان سيناء والقديس أنسطاس السينائي مدبر الرهبان اللذان ارتفعا في الفضيلة وكان عدد رهبان الدير وقتئذ مائتان وخمسون راهباً
سلك القديس ستراتيوس في الدير بنسك شديد، وحرارة متوقدة بالرب يسوع المسيح فاستحق لباس اسكيم الرهبنة، ولما أمضي في مجمع الدير عدة سنوات خدم خلالها الآباء الرهبان بكل محبة استأذن أبيه الروحي لكي يمضي إلى البرية فسمح له أبيه متفكراً أنه سيسكن في مغارة قريبة لا تبعد كثيراً عن الدير وأنه أخذ وشاحه وجريدته ومضى يسبح قائلاً: "ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرب صانع السموات والأرض" مز121:1-2
إلى أن وصل مغارة بعيد داخل البرية ، وهناك دوام على النسك الشديد والجهاد العنيف في حياته الروحية ومحبة الرب يسوع المسيح، وصار يقتات من الحشائش التي تنبت في الصخور ويشرب من ينبوع الماء الذي كان قريباً من هذه الحشائش في البرية
لقد كان يطوي أياماً وهو صائم بعدها يأكل ملء يده من هذه الحشائش وقليل من الماء
أما صلواته فكانت لا حصر لها لأنه تشبه بالروحانيين في تسبيحهم المستمر وصلواتهم التي لا تنقطع وقد دوام على ذلك أثني عشر عاماً
لقد أعلن له أنه سينطلق من هذا العالم الفاني إلى العالم العتيد مع القديسين بعد أربعين يوماً
فلما شعر بقرب نياحته رشم على الريح بعلامة الصليب المقدس الذي لربنا يسوع المسيح له المجد، فحمله للوقت وأتي به داخل الدير وهناك قابل أب الدير وقد صار شيخاً فلما سأله من أنت؟ أجاب أنا ابنك ستراتيوس الذي كنت معكم بالدير من أثني عشر عاماً
وقد جئت الآن لأن أنطلاقي من هذا العالم قد قرب وسأمضي إلى العالم الجديد حيث الراحة الأبدية بعد أربعين يوماً وأريد أن أمضي هذه الأيام القليلة مع أباء الدير، وصلوات القديسين لأخذ بركتهم إلى أن أمضي
ففرح به كثيراً وعانقه ثم دق الناقوس فحضر الآباء وفرحوا برؤية القديس السائح ثم أعطوه قلاية منفردة فدخل القلاية وأغلق الباب، ثم خرج دون أن أحد يدري، وذهب إلى قبر القديس يوحنا الدرجي (اكليماكوس) واضع سلم الفضائل وأب رهبنة فلسطين والمدير الفاضل وقبر القديس أنسطاس السينائي مدبر الرهبان، وجثا ساجداً على قبرهما لتؤازره صلوات هذان القديسان اللذان قد تقدماه منذ أكثر من مائتي عام
وبينما هو يصلي ويتضرع إليهما ظهر له ملاك الرب وقال له يا ستراتيوس ها القديسان يوحنا وأنسطاس قد حضرا لك بالروح ليباركا عليك أيها القديس الطوباوي قبل انتقالك من هذا العالم وللوقت رآهما وتبارك منهما، وقالا له: نحن أيضاً سنكون وقت خروج روحك من جسدك، ونصلي عليك قي قلايتك التي أعطوها لك الآباء داخل الدير وأعطياه السلام ثم مضيا وعاد بعدها إلى قلايته
لم يخبر أحد بذلك سوى تلميذه إذ قال له يا ابني عند تمام سبعة وثلاثين يوماً افتح علي باب القلاية إذ سأنطلق في ذلك اليوم من هذا العالم الفاني ولا تتوانى عن تعداد هذه الأيام لتدفنوا جسدي
فلما مضت تلك الأيام وحان ذلك الوقت قرعوا الباب فلم يجيبهم أحد، وأخيراً كسروا باب القلاية فوجدوه مسجى، وقد غطى ذاته بوشاحه الذي كان من الصوف الخشن
لقد وجدوا شيئاً عجيباً إذ أبصروا بجواره شورية وبها فحم وبخوراً متصاعداً منها ذو رائحة طيبة جداً، فلقد كان ذلك علامة أن الآباء السواح قد أتوا وصلوا عليه وأن الآباء صلوا عليه بعد ذلك صلواتاً قصيرة ، ثم دفنوه بإكرام جزيل مع الآباء القديسين الأوائل بالدير، وفاحت من جسده روائح عطرية فائقة الوصف، وصار بركة لكثيرين
ولربنا كل مجد وإكرام وسجود من الآن وإلى كل الدهور ، آمين
بناء أول كنيسة لمار جرجس ببلدتي برما وبئر ماء بالواحات
في اليوم الثالث من شهر بؤونة المبارك بنيت أول كنيسة على اسم الشهيد العظيم مار جورجيوس بالديار المصرية ببلدة بئر ماء بالواحات، كما كرست باسمه في مثل هذا اليوم أيضاً كنيسة في بلدة مركز طنطا وذلك أنه بعد هلاك دقلديانوس وملك الملك البار قسطنطين هدمت هياكل الأوثان، وبنيت الكنائس على أسماء الشهداء الأبطال، الذين جادوا بدمائهم في الذود عن الإيمان
وكان بالديار المصرية قوم من الجنود المسيحيين ، وهبوا جزءاً من الأرض المقامة عليها برما الآن. وكان من بينهم شاب تقي وديع، يقيم بقطعة منها مع بعض المزارعين. وكان بتلك الجهة بئر للشرب فسمع هذا سيرته وكتبها وصار يتعزى بقراءتها بغير ملل. وحدث في ليلة اليوم الرابع والعشرين من شهر بشنس ، وهو قائم يصلي أن رأى جماعة من القديسين، وقد نزلوا بجوار هذه البئر، يسبحون الله ويرتلون بأصوات ملائكية، وهم محاطون بنور سماوي، فاستولت عليه الدهشة. وعندئذ، تقدم إليه واحد منهم في زي جندي، وعرفه أنه جورجيوس الذي استشهد على يد دقلديانوس. وأمره أن يبني له كنيسة في هذا الموضع، لأن هذه مشيئة الرب. ثم ارتفعت عنه الجماعة إلى السماء وهم يمجدون العلي. وقضى الشاب ليلته متيقظاً حتى الصباح، ومرت عليه عدة أيام وهو يفكر كيف يبنى هذه الكنيسة، وهو لا يملك ما يقوم بنفقات جزء بسيط منها. وفي إحدى الليالي هو واقف يصلي، ظهر له الشهيد العظيم جورجيوس وحدد له مكان الكنيسة، ثم أرشده إلى مكان وقال له أحفر هنا، وستجد ما تبني به الكنيسة. ولما استيقظ في الصباح ذهب على حيث أرشده الشهيد الجليل، وحفر فوجد إناء مملوءاً ذهباً وفضة، فسبح الله وعظم قديسه وبنى الكنيسة. ثم استدعى الأب البطريرك وكرسها في مثل هذا اليوم . وبنيت المنازل بجوار هذه الكنيسة، وسميت هذه الجهة (بئر ماء) نسبة إلى بئر الماء التي بنيت بجوارها الكنيسة. ويجري الاحتفال بهذا التذكار المجيد في هذه البلدة سنوياً وهناك تظهر الآيات الباهرة من إخراج الشياطين وشفاء المرضى بشفاعة هذا الشهيد العظيم. صلاته تكون معنا . آمين
ونقلت أعضاء القديس جورجيوس التي كانت محفوظة في بيعته من مدينة بئر ماء بالواحات إلى دير أنبا صموئيل بمعرفة رهبانه، وذلك في أيام الأب القديس متاؤوس البطريرك (87) ، ورئاسة الأب القس زكري ابن القمص والأب الراهب سليمان القلموني وفي عهد رئاسة البابا غبريال البطريرك (88) نقلت أعضاء القديس إلى الكنيسة المعروفة باسمه بمصر القديمة وكان ذلك يوم 16 أبيب سنة 1240 ش